وجداننا الوطني إلى أين  ؟!

وجداننا الوطني إلى أين سؤال يفرض نفسه بإلحاح في هذا المنعطف الهام والخطير من تاريخ شعبنا قبل أن نفقد الوطن الذي يمثل أس عزتنا وكبريائنا. ومن دونه نتحول إلى مجرد لاجئين لا نملك من الحقوق غير فتات المساعدات التي تجود بها المنظمات الإنسانية والبلدان المضيفة ، وفي أحسن الحالات أوراق جنسية بلدان أخرى. وياترى هل يكفي في الإنتماء الحقيقي لبلد ما أوراق الجنسية؟ . إن الإنتماء الحقيقي لاتكفي فيه أوراق الجنسية وإنما لابد من توفر الشعور بالإنتماء الذي يتشكل من مجموعة حقائق من بينها البيئة الإجتماعية والثقافية . ثم تأتي الأوراق لتلعب عند الحاجة دور الإثباث من باب تحصيل حاصل .

إذن فعلاقة الإنسان بالوطن شعور إنساني عميق يرضعه الناس صغارا مثلما يرضعون ثدي أمهاتهم من البيئة والتنشئة الاجتماعية والخصوصية الثقافية ، والحقوق المكتسبة التي لا يمكن للمرء التمتع يها إلا في وطنه . وبذلك يصبح الوطن مشاعر فياضة وارتباط من غير بديل ، يحمل المرء على السعادة والفخر حين يكون فيه وإذا غاب عنه يحن له ويتلهف العودة إليه . وبذلك يشكل الوطن ذاكرة الإنسان من خلال الأمكنة والأحداث وشخوصها والعمر وأحواله . وفقد الإنسان لهذا المكون يعد شرخا في أهم مكوناته الوطنية . وبدون الوطن يصبح المرء مجرد من الإنتماء وبلا عنوان ، فضلا على أنه يفقد الشعور بأهمية المكان . وبالنتيجة يفقد الغيرة والحمية نحو الوطن والتضحية في سبيل الدفاع عنه عندما تقتضي الحاجة إليه .

الوطن بهذا المعنى بدأ يفقد في الوقت الراهن بيئته لدى شعبنا كإنعكاس لسياسات النظام الدكتاتوري ولطول معاناته التي امتدت لقرابة ستين عاما ، فأصبح شعبنا يعاني من تدني في وجدانه الوطني . وأي مجتمع يتأزم وجدانه بهذه الصورة عرضة إلي انهيار كيانه تحت أي ظرف . وما خضعت الشعوب للإستعمار في الماضي إلا بسبب ضعف بنية وجدانها الوطني . وعندما تشكل لديها كما ينبغي استعادت استقلال وسيادة بلدانها وقهرت المستعمرين . بيد أن الاستعمار يظل حالة حية لدى الدول القوية تحركها المصالح التي قد يتطلب اشباعها التطلع خارج حدودها الوطنية . ولا يتأتى لها ذلك إلا إذا وجدت ضعفا في الوجدان الوطني لدى الشعوب والدول المستهدفة . وفي اعتقادنا أن الشعب الإرتري في هذه المرحلة يعاني شرخا واضحا في هذا الميدان لجملة من الأسباب من بينها كما أشرنا أنفا سياسة النظام الدكتاتوري الذي جعل من ذاته سجانا ومن إرتريا سجنا .

وإلا كيف نفسر الإستقالة الجماعية من المساهمة في القضايا الوطنية؟ إذ أين دور عشرات السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين من مختلف الرتب وعشرات الآلاف من الشباب ومجندي الخدمة الإجبارية الذين فروا رافضين سياسة النظام الدكتاتوري ؟ بل وأين دور مئات الآف من اللاجئين في الدول المجاورة والبعيدة الذين لجاؤا إبان فترة الإحتلال منذ ما يزيد على أربعين عاما ؟! إن حق الإنتماء للأوطان لا يبلي ولا يسقط بالتقادم . وحاجة الأوطان إلى أبنائها تتضاعف عند المحن والملمات . !!

لذا عندما نقول أن الشعب الإرتري يمر في هذه اللحظة التاريخية العصيبة بأزمة وجدان وطني حقيقية . ليس بهدف كشف عورة منكورة وإنما توصيف لواقع يتطلب منا تداركه قبل فوات الآوان

لم يعد سرا أن أحلام الكثيرين من أبناء شعبنا صار الهجرة نحو الدول الغربية وأستراليا والشرق الأوسط والمنافي البعيدة الاخرى بحثا عن حياة آمنة ومستقرة . كما يحاول النظام إرجاع أسباب اللجوء من إرتريا إلى ذلك تبرئة لساحته . صحيح البحث عن حياة أفضل غاية مشروعة . ولكن ما مصير الوطن عندما ينفض الجميع من حوله في لحظة هو أحوج ما يكون فيها إليهم؟!  أليس مواجهة النظام الدكتاتوري وسياساته القمعية التي أدت إلى ما نحن فيه ، من مسئولية كل مواطن ؟ وهل الحديث عن سلبيات وقصور المعارضة الإرترية دون النظر إلى أدوارنا الشخصية التي تمحورت حول ذواتنا يعد أمرا مقبولا ؟ أليس من الأحرى تصحيح مواقفنا وأداورنا ، وندع الناس فيما هم فيه من أدوار ، هم قبل غيرهم يدركون حجمها؟!!

يمكن أن نجد المال في غير أوطاننا، كما يمكن أن نحصل على أوراق تثبت انتماءنا. ولكن من المستحيل في غير الوطن الحقيقي أن يشعر المرء بطعم وعزة وقوة الإنتماء الأصيل.

وكلمة عتاب موجهة إلى من هم بدول المهجر الذين يمارسون التفرج تجاه قضايا الوطن ومصيره في وقت يبذلون أموالهم في سبيل إخراج أهلهم من إرتريا. إن هؤلاء يساهمون من حيث يدرون أو لا يدرون في إفراغ إرتريا من أهلها ، وفي استمرار أمد النظام الدكتاتوري ، وفي تقويض الكيان الإرتري .

إن فاتورة حماية الأوطان باهظة ، على الجميع تحمل ما يليه منها . وإذا كان البعض لا تشغله سوى مصالحه الشخصية في انتظار التغيير القادم على أكتاف غيره ، ليأتي بعده بخليه وخيلائه وأمواله، فهذا من أحلام العصافير التي لا تحقق غالبا . لأن الأحلام الكبيرة عادة لا تتحقق إلا من خلال أفعال كبيرة .

لا شك أن التغيير قادم ، قادم لا محالة ، ولكن ليس لصالح المتفرجين أو الحالمين بالتغيير. وانطلاقا من ذلك نهيب بكل إرتري غيور على وطنه وكرامته وعزته بمراجعة مواقفه لتتماشى مع الشعور الوطني السليم ويتفهم دوره الوطني كما ينبغي ويقدم ما من شأنه تقوية وتفعيل معسكر المواجهة ضد النظام الدكتاتوري الذي يحاول من خلال سياساته وممارساته تجريدنا من انتمائنا ووجداننا الوطني .

مكتب الإعلام

لجبهة الإنقاذالوطني الإرترية

7 ديسمبر 2009م